رائحة الخبز هي قصة حداد طلق المطرقة و تزوج بالورقة ليجسد محنته كتابة ، و ليفجر سخطه على الاساليب القمعية المتعامل بها بين أوساط الطبقات العمالية الكادحة...أتمنى أنا صاحب الرقم التأجيري المذكور في اليوميات ان أكون اوصلت رسالتي كنائب عن باقي الكادحين أمثالي ...المخلص عبدالعالي أواب

الأحد، 28 مارس 2010

يوميات عامل


رائحة الخبز
للولوج لصفحتي بموقع دروب إظغط على الصورة
هي عصارة لمحنة عاشها و عايشها الكاتب بإحدى الشركات المنجمية بالمغرب


رائحة الخبز/1


بداية, ليس بالأمر الهين أن يرمي حداد ما, المطرقة من قبضة يده و يمسك القلم بين أصابعه المفحمة بلون الصدأ الحديدي ويعتنق ملكة الكتابة. كما ليس هيّنا عليه كذلك أن يمسح عن طبلتي أذنيه صياح القزدير , و يخلد إلى ركن هادئ و دافئ ,بعيدا عن صخب و ضجيج المصنع ونفاياته ليكتب يومياته مرتبة ومرقمة كما يجب ..
لكنها الضرورة, ضرورة البوح بما في الصدر من حَرّ قبل أن ينفجر !؟
لكن هل أستطيع ــ أنا العامل البوجادي البسيط ــ أن أحدث ثورة على الورق الذي ينتظرني كلما عدت في المساء منهوكا إلى بيتي المغارة لأتقيأ على بياضه سواد قلبي؟؟ فيا ليته يسعفني !
هل أستطيع أن أحيك كل خيوط حكاياتي من ألفها إلى ياءها بدقة الروائي الماهر؟ ثم هل أستطيع بدرايتي البسيطة لقوالب الكتابة وفنونها العنيدة أن أرسم كل المحنات وكل المرارات التي مرت لا بردا ولا سلاما على هذا الرأس ؟ - أعني رأسي- أم أكتري كاتبا أريه كل أحزاني وكل همومي وأكشف له عن كل حكاياتي من بأسها إلى فأسها؟...
كل هذه التساؤلات وغيرها راودت بالي, لكن أخيرا عملت بنصيحة أبي التي ما فارقتني طول حياتي..أذكر أنه كان حكيما حين قال لي باللسان المغربي :(اللّي ما يَغسلْ كساتُو أو ما يكتبْ بْراتُو ولا ..ولا.. يتعزى في حْياتو..) يعني كل إنسان وجب عليه قضاء حوائجه بيده وإلا فليتقبل التعازي في حياته قبل مماته وذلك خير له من عيشة ضنكا..
وهذه أيامي التي تداولتها مع الأخيار والأشرار داخل أسوار ما يسمى بالشركة المنجمية الشريفة..باسم الضرورة أكتبها.
25 خمسة وعشرون عاما و ما يزيد، ثمانية ألاف يوم عمل مضت عليَ بأيامها ولياليها ، بلهيبها و صقيعها بين المطرقة و السندان صابرا على اللقمة المرة و الساخنة وذلك من أجل إطعام مجموعة من الأفواه المفتوحة الجائعة التي تنتظرني كل يوم حتى أعود ومعي كسرة خبز زقومية المذاق, تلك التي كنت أحلّلُها وأحلّّيها بصبري الحديدي ونيتي الخالصة في خدمة الشركة والوطن بكل إخلاص وتفان في العمل.
واجهت طيلة هذه السنوات كل أنواع الآفات ,كل المصاعب والمتاعب, كل الشدائد وكل ألوان وأشكال القمع من طرف شرذمة من منعدمي الضمير من الأطر الخارجين عن الإطار القانوني و المسؤولين ( الشافات) البغاة الذين لايعرفون لا الله ولا رسوله ولا حتى الوالدين ! فأغلب (الشافات) كانوا يقولون لنا نحن العمال بسفه العبارة أنهم لا آباء لهم ..ويردفون القول : (خْدَمْ أو قََوَدْ) و كلاما آخر أعور، أشد قبحا و وقاحة من هذا وذاك يندى له الجبين خجلا وحياء...
فخطابهم لنا دائما كان صريحا و واضحا في همجيته، لكن بالنسبة لي، أرى أن الفعْـليْن أحلاهما مُُرُ، فالخدمة ليست خدمة رحمة و شفقة تتطلب الجهد العادي للإنسان بل جهد عفريت أو سبعة خيل ,أو ما يعادلهما !! أمّا القيادة فليست قيادة شريفة وعفيفة بل تلك هي المذلة بعينيها,, إما أن تقود الوشاية إلى طريقها الصحيح والسريع نحو (الشاف) أو تقود النقود والهدايا الثمينة إلى عقر داره مرفقة برقم تأجيرك وخصوصا إذا تعلق الأمر برشوة المواشي والدواجن(ضروري رقم التأجير بحيث يكتب على ظرف و يربط بخيط أسفل رجل الخروف أو الديك الهندي،،) إنه حديث شائع بين شريحة واسعة من العمال, وذلك حسب رواية صحيحة وموثوق منها رواها كثير من زملاءنا الخونة الذين كانوا يفضحون بعضهم البعض سواء عن قصد أو عن غير قصد..
أما الأطر( الشافات) فقد كانوا جلهم حُكاما ظُلاما بكل المقاييس , إلا من رحم ربي.. وهذه سيرة كل الكُبَيرين فهم يحسبون أنفسهم أناسا كبارا يُحسبُ لهم ألفُ حساب و يحسبوننا نحن الصغار رعاة أبقار أو أدنى من ذلك إلى درجة أنهم كانوا لا ينادوننا بأسمائنا الحقيقية ، فكلما احتاجوا منا أحدا، لخدمة ما، كانوا ينادونه :
(آآ الحلوووف! أو آآ البغل!)
قبل هذا الهوان , فلا بأس, قد يقبلوه و يقربونه إلى قلوبهم كخادم وليس كعامل نشيط ذو شرف و كرامة..وذلك حسب طقوس هواهم و مزاجاتهم الوسخة..
أما إذا لم يقبل هذا الذل و الهوان ,فلا أرض تتسع لقدميه و لا حتى لنفسه الضيقة ..إنه زمن الزبونية و المحسوبية والسباق إلى التموقع ولو على حساب الشرف الرفيع !
أما إذا لم تقبل الخضوع لمثل هذه الطقوس فما عليك إلا أن تقلب قفاك إلى الخلف و تقود جثتك المنهكة خارج أسوار الشركة....
فما عليك إلا أن تختار ما بين العار و النار, إما الخضوع أو الجوع..
بالنسبة لي أنا الشاب الفتي المسلح بقوة الإيمان و الصبر، فقد كنت دائما أختار أن أكون أثناء مزاولة عملي الشاق والمضني، عفريتا بإذن الله كي أسْـلَمَ من الكفرة أعداء الله !

ــــ عبد العالي أواب ـــــــــــــــ يتبع


رائحة الخبز2

صباح الخير أيتها المدينة الجميلة, عروسة حلمي الجميل !
صباح الخير بائعو و بائعات الخبز و الرغيف !
أبعدوا عني روائحكم, إني ذاهب إلى طبيب الشغل,صائما كما أمرت من قبل,وإني لأحمل جوع جيل..
أمام باب المستشفى المنجمي إلتقيت بمجموعة من الرفاق القادمين من كل فج وجيع, مذعورين تجوقنا كقطيع خرفان,لا حديث يدور بينا إلا عن سلامتنا الجسدية وعن جنون الطبيب الشبح المخيف,الذي بيده الخبز وإليه المصير..ثرثرنا قليلا ثم تشجعنا قليلا كي لا يتهمنا السيد الطبيب بضعف القلب أو إرتفاع ضغط الشرايين أو فقر الدم أو بالإذمان على التدخين..إنه المصيرو ما أدراك ما المصير
عند الباب الرئيسي إستقبلنا الممرض, رجل نحيف يرتدي وزرة بيضاء , شاحب الوجه يدخن ويقحب ..يبدو وكأنه مريض هو الآخر.سألنا,هل أنتم العمال الجدد؟ أجبنا جماعة بنعم,قال إتبعوني..تبعناه.
في الطريق, كادت روائح الأدوية تزكم أنوفنا المشرعة, مررنا على أشياء كثيرة تثير الإنتباه, قطط رومية بدينة تحتل جهة المطعم, عمال معطوبون يجرون عكاكزهم ومرضى صُفر يتشمسون هنا و هناك في حديقة مصفرة الأعشاب, منهم من يدخن ومنهم من يعيد فطوره, و منهم من يقرأ الجو رتال, و آخرون يلعبون الورق تحت أشجار الكلبتوس الوارفة, كل يمارس فوضاه كما يحلو له و كأنهم على علم مسبق بأن الطبيب المدير, مشغول ..قلت في نفسي ربما صادفنا وقت الإستراحة !
إنتهى بنا المطاف إلى قاعة باردة شبه مظلمة, بها بضع نعال من بقايا جلد العجلات القديمة,حشرنا فيها ثم قال لنا الممرض : هيا اخلعوا ملابسكم, كل ملابسكم وأحذيتكم كذلك, كي تتقدموا واحدا واحدا للطبيب بكل صمت وهدوء, و لاتنسوا أن تستعملوا هذه النعال الخفيفة ,مشيرا إلى نعالهم الطبية ! ..فعلنا كل ما أمرنا به خائفين من شبح الطبيب
جاء دوري, تقدمت إليه. بسملت في السر وسلمت في العلن.لكنه لم يرد على سلامي, فقط تفرسني جيدا من فوق نظارته الزجاجية اللامعة ثم أشار لي بيده إلى الركن المقابل وقال:إصعد ! إلتفت إلى الركن فتراءى لي سرير أبيض مرتفع شيئا ما عن سطح الأرض, توجهت إليه وامتطيت السلم ثم تمددت على ظهري وأنا أرتعش من شدة البرد,قلت سأنتظر ريثما ينتهي صاحبنا من فحص ملفي وتثبيت هويتي..
ولا زلت انتظر قدومه بكل دهشة و حذر حتى سمعت همسا خفيفا .اسمك؟ سنك؟ أجبت مستغربا من السؤال, فلان,سيدي,إثنان و عشرون سنة..ثم تساءلت في سري كيف يسألني عن إسمي و سني و ملفي جاهز بين يديه ! ؟ سرعان ما عدت إلى غيي وقلت حاشا أن يكون هذا الطبيب أميا, فلا شك أنه يريد فقط اختبار سمعي .. و ما هي إلى برهة حتى جاءني و بيده جهاز لامع تمتد خيوطه إلى ثقب أذنيه, وضعه على صدري وقال لي : استرخي واستنشق بطريقة طبيعية..استرخيت وما استرخيت, ثم استنشقت بطريقتي العفوية وهو ينقل الجهاز الفاحص من ضلع إلى ضلع إلى أسفل البطن, ثم أكمل الفحص بإدخال أصابعه في صرة بطني بعنف, يدلك ويهلك وكأنه يريد أن يعرف ما بمصاريني من فتات ! وحين انتهى من الدلك قال: انزل, نزلت . تمشى, تمشيت .اقترب, اقتربت. أغمض عينيك, أغمضتهما.التفت إلى الحائط, التفت إلى الحائط..ثم باغتني بإنزال سترتي و قال لي: أقحب, قحبت .زد أقحب, قحبت و قحبت ..حتى تأمل خلقي جيدا, هذا الأخير الذي لم يره قط رجل من قبل..
ولازلت شارد البال أتأمل وأتساءل في سري: عن علاقة القحبة بالجهاز البولي..إلى أن سمعته يقول: افتح الباب واخرج, سالم على سلامتك..
قلت في نفسي: الحمد لله على أنه لم يكشف على عورتي كما فعل مع كثير من العمال الجدد وذلك للتأكد من سلامتها هي الأخرى !
بسرعة هرعت إلى الباب, فتحته وخرجت محمر الوجنة فرحا أبحث عن ثيابي لأستتر.وبعد أن لبستها, انتظرت قليلا إلى أن ناداني الممرض هذه المرة بإسمي قمت وتقدمت له, وكان يحمل ورقة مختومة من طرف السيد الطبيب,ناولني إياها وقال لي هل لا زلت بلا فطور؟ قلت له مشتهيا,نعم ياسيدي, لا زلت لم أفطر بعد.. ظانا أنه سيناولني بعضا من الرغيف, من مطعم المستشفى الذي تشم روائحه من بعيد لبعيد, لكنه ضرب بيمناه على كتفي وهو يناولني الورقة قائلا: مبروك على سلامتك, ناجح في كل الإختبارات وكذلك حتى في تحليل الدم والبول ..خد شهادتك واذهب لتبحث لك عن فطور..ولا تنسى أن تعود في المساء مع رفاقك إلى( بيرو مكانة ) ..
لم أفهم ما قاله بالضبط, اكتفيت بأخذ الورقة من يده وانصرفت مذهولا إلى حال سبيلي دون أن أستفسره بالظبط عن المكان المقصود, لأنه كان مدروكا ولأني كنت كذلك مهلوكا !
في المساء تبعت رفاقي الناجحين إلى ما يسمى بـ( بيرو مكانة),إنه مبنى مسيج يحوي مجموعة مكاتب مرقمة متداخلة فيما بينها تبدو عليها علامات القدم وبوادر الإهمال..
وقفت امام المبنى أتأمله وأتساءل عن معنى التسمية المفرنجة( بيرو مكانة) ؟؟ علما بأني كنت أعرف مسبقا أن كلمة( بيرو) تعني بالعربية مكتب, وكلمة مكانة بثلاث نقاط فوق الكاف كلمة عند العامة تعني ساعة..لكنني ظللت أتخبط في البحث عن مدى علاقة البيرو بالمكانة ..إلى أن جاء دوري ودخلت على رجل هائم وسط حزمة من الملفات و الأوراق المغبرة, ما كدت أن أشبع فيه فضولي حتى أشار إلى كرسي أعرج وقال لي إجلس ! جلست,فإذا بشعاع يبرق في وجهي بعجالة من عين آلة فوتوغرافية منقرضة النظير, ثم قال لي: قم و اتبعني إلى المكتب المجاور لأسلمك بطاقتك و رقمك التأجيري.. تبعته, انتظرت قليلا هناك إلى أن جاءني ببطاقة من الورق المقوى مغلفة بألياف من البلاستيك بها صورتي وإسمي و رقمي, تشبه إلى حد كبير شكل البطاقة الوطنية لكنها أصغر منها بكثير..سلمني إياها مرددا إسمي, فلان الفولاني حداد معلم من درجة خمسة( جوري) أي رتب, حينها أدركت مدى علاقة المكتب بالساعة وقلت في نفسي: من هنا يبدأ العد ! إنه أول يوم شغل محسوب من أيام العمر وهذا هو رقمي التأجيري, يجب علي أن أحفظه عن ظهر قلب..
انصرفت وأنا أردد رقمي التأجيري الجديد, مبتهجا,
(سبعة,ثلاثة,سبعة,صفر, ستة)
يعيش هذا الرقم,يعيش.. !


رائحة الخبز/3

تلك الليلة ـ ليلة أول يوم عمل ـ نمت بعين واحدة.. الأخرى أوصيتها برا بساعتي التقليدية ( الدجاجة الأسطورية) التي كنت أحيض و أبيض بها، أخاف عليها كثيرا من العطب و الإنكسار لأنها أمي الثانية ...
قبل طلوع الفجر، أيقظتني دجاجتي المرضية دائخا،عين حمراء وعين صفراء و خيال شارد، لم أجد لحظتها أمامي لا خبز أمي ولا قهوتها ، سوى اني استرقت رشفة ماء أثناء غسل وجهي أطفأت بها رهبتي و رجلت بها نفسي ثم توجهت مباشرة إلى العمل...
حضرت مع الحاضرين, كنت أبدو وسط زحام جموع العمال الداخلين مع الباب الضيق كالكبش (الصردي) الأبيض , الكل يلتفت إلي ويتهامس ،بعضهم يتساءل والآخر يقهقه تحت إبطه..سرعان ما سمعت صوتا خشينا : هييييييييه، إرجع ! إرجع ..
وقفت مكاني حتى وقف أمامي البواب : من أنت ؟ أجبت مطمئنا: السلام عليك.. أنا عامل جديد يا سيدي وهذه بطاقتي التأجيرية .. أخذ مني البطاقة قرأها مقلوبة و قال لي إنتظر حتى أسلمك للمسؤول الكبير وأبرأ منك ذمّتي ..ضحكت سرا من كلام الرجل لأن الضحك في وجهه قد يجرني إلى الخسارة..
ما هي إلا ساعتين حتى جاءني رجل غض غليض يرتدي بدلة رمادية و على رأسه خوضة مدنية، قدمت له شخصي من باب الإنسانية ، قدم لي شخصه من باب الأنانية..(أنا المسمى الدركي مسؤول المصلحة الميكانيكية )..هات بطاقتك التأجيرية واتبعني ، أعطيته إياها وتبعته خطوة بخطوة ...
داخل المعمل، أضواء اللحّامين تكاد تخطف بصري و صداع الآلات يصم أذني و أنا أمشي وراء المسؤول مصدّع ومضبّع ..فجأة .إلتفتَ إليَّ وهو يكمل خطواته متمتما ببعض الكلمات الإفرنجية ، لم أفرز منها لا( وي ) ولا (نو) ما نفعني معه سوى ,نعم سيدي؟
أقترب مني و أخذني من قفاي وقال لي أنظر هناك , أرأيت ذاك الشيباني الذي يجر تلك العربة؟ إذهب لمساعدته حتى تتدرب جيدا ... و لا تنسى أن تستعير منه إحدى بدلاته القديمة ريثما...
تقدمت إلى الرجل,مددت له يدي مسلما ، مد لي مرفقه بالنيابة معتذرا لأن يديه كانتا ملطختان بالشحوم الزيتية، قائلا : ما تحب الخاطر؟ أجبت محتشما : أومرت من طرف (الشاف) الدركي بأن أمد لك يد العون ،لكن قبل هذا أريد منك أن تعيرني بدلة ولو قديمة يا سيدي، ريثما..
ابتسم في وجهي وقال لي وهو يلهث ويتصبب عرقا: تعال خذ هذه بالمرّة..لكن ( آش سماك الله؟) أجبت : عبد الله الحركي ..قال : كلنا عباد الله و هذه أرض الله ..
تحرّكْ يا ولدي ترزقْ، قل باسم الله واتّكلْ على الله .. ابتسمت في وجهه مبسملا وأنا أتحزم ثم انحنيت على شتات من الفضلات الحديدية السميكة لأجمعها بعدما كشرت عن سواعدي المفتولة..جمعتها و وضعتها في العربة ثم دفعت العربة إلى الأمام و أنا أجر بدلة مفضفضة سروالها أطول من قامتي ..
في الطريق صادفت رجلا يحترق قرفصاء أمام الملأ ،يبدو كحزمة حطب بين أحضان ألسنة من لهب ، استفسرت صاحبي فقال لي إنه معلم ماهر يجيد قطع الحديد بالنار ..أنظر جيدا كم هو حريص على قطع أنفاسه كي يركز أكثر على خط النار الذي يصهر جنبات الحديد..يصارع خيوط الدخان و الدخان يكاد يعمي عينيه الذابلتين .. إنه فعلا يحترق ،يحترق دون أن يحس به أحد !
تأملته جيدا وأنا أجتر وراء عربتي متنهدا: مسكييييييين ! مسكيييييييين !لكن لماذا لم يستعمل تلك المقصلة لقطع الحديد؟ يبدو لي أنها جاهزة ! ؟ ما كدت أنهي كلامي حتى استدركني صاحبي قائلا: إنها آلة قديمة محدودة الجهد، طاقتها لا تتعدى السنتميتر الواحد،ثم إنها موروثة من مخلفات العصر الصناعي الأول ،إياك أن تقربها إنها ضعيفة الجهد وطاقتها لا تسعب أكثر من سنتميتر واحد ، أما صاحبنا المحترق فإنه يقطع سمك العشرين سنتميترا و ما يزيد..
ولازلت شارد البال ، أحترق حسرة و أسفا على الرجل حتى قال لي صاحبي ساخرا : لازلت لم تر شيئا بعد ! أنظر أيضا إلى ذاك الصندوق الكبير الذي يتصاعد منه دخان كثيف يحتل كل فضاء المصنع ،، إن بداخله صديقنا رحال الذي قضى كل حياته رحالا يبحث عن كسرة خبز ، وها قد وجدها الآن هنا، كان الله في عونه ، له سبعة أطفال مع الزوجة الأولى وثلاثة مع الجديدة ، إنه يموت كل يوم من أجل إعالة قوم بأكمله ! فعندما تتدرب أنت كذلك جيدا و تعرف من أين تدخل ومن أين تخرج ، سوف تمارس نفس العمليات ، من قطع الحديد وتلحيمه وصقله وصناعته ، ستموت أنت الآخرـ يا ولدي ـ كذلك من أجل أن يعيش الخلف الصالح،،
ولازلت أتألم متلذذا الحلاوة المعقولة في كلام صاحبي ، أجمع الفضائل الحديدية
، أمسح قطرات عرقي المالح وأدفع العربة الثقيلة ذهابا وإيابا، مرات ومرات ، حتى شممت رائحة غريبة وكريهة تكاد تزكمني حد العطس،حرت، من أين؟ ! بعد أن فحصت كل أطرافي المشكوك فيها علني أعثر على المصدر،لم يبق لي سوى أن أسأل صاحبي ، لكني تمهلت قليلا إلى أن تبت شمي على الرائحة ! بل الروائح الفوارة التي ما فتأت تفوح وتفوح من جنباتني..آه، إنها رائحة شريفة، رائحة عرق صاحبي التي كانت خامدة منذ زمن طويل بين طيات البدلة المستعملة التي أعطاني إياها ، فارت الآن بعد أن اختلطت برائحة عرقي الساخن ورائح الأوساخ و الزيوت المحروقة..المهم سأصبر حتى ينظر الله في أمري.
في اليوم التالي اختلطت بمجموعة من العمال، ثلة من الشياب و قليل من الشباب..سئلت أكثر من مرة عن إسمي و نسبي و من أين أتيت ووووو..وكأني في مخفر الشرطة فغالبا ما كانوا يذمون لي بعضهم البعض، وخصوصا أن هناك تمة صراعات خفية بين الجيلين من العمال ( الشياب والشباب) كل يوم كانت تنشب فتنة بين عامل جديد و عامل قديم حول الإمرة في تسيير و تيسير العمل ..فلا زلت أذكر ما حصل لي مع مساعدي الشيباني ( مومو) الذي بدلا من أن يحثني على الجدّية في العمل ويقدم لي المساعدة اللازمة ،كان يغنى لي المواويل الشعبية القديمة، والنكت الشبابية العجيبة...إنه (مومو) ذاك الذي كنت أحسبه أقرب العمال القدماء إلى قلبي أخيرا إكتشفت أنه أكبر الثعاليب مكرا، فلقد كان يلهيني و ينسيني واجباتي عمدا..لتكتمل الفرجة لديه ساعة الحساب الذي ينتظرني حين يخزيني وجه (الدركي) الذي ما عدت أحتمله ،إنه السبع كما يسمونه ..فلقد صفعني عدة صفعات آخرها..يومين دعيرة مخصومة من الأجر لا لنقص العطاء من حيث الكم أو الكيف، بل لأنه ضبطني ذات مرة أضحك مستترا جراء سماعي لبعض النكت الممسوخة التي كان يرسلها لي الشيطان ( مومو) جهرا (هَهْهَهْهَهْهَهْ)



رائحة الخبز /4





في يوم من أيام المحنة العسيرة( جفاف الثمانينات)المصادفة لأزمة الدقيقالأخيرة التي عاشتها البلاد و العباد بهدوء تام..
ذهبت إلى عملي مهموما..تركت أبي الهرمممدودا يحتضر، و أمي البدوية العجوز هائمة خارج البيت في رحلة بحث عن مقدم الحي،أين يكون.؟!.وذلك من أجل الحصول على ( بون دقيق) مناصفة مع امرأة أخرى قد تعرفها أو لا تعرفها!
أما أنا فقد غرست أنيابي في الصبر الذي تعودته ، وتوجهت إلى عملي بقلب كظيم..
هناك إلتقينا على مائدة الفطور، مثرثرين كالعادة، أنا و مومو ورحال و آخرون.. وعبد السلام الصديق العزيز، ذاك الذي كان كل صباح يقرأ علي قصائد البارحة ...
لا حديث يدور بين العمال هذهالأيامإلا عن الدول التي ضربها الجفاف بمدفعيته، وعن الأطفال الأفارقة الجياع الذين تم استدراجهم في نشرات الأخبار...أما مجاعتنا الحقيقية نحن هنا في هذا الوطن الحبيب لا أحد يوليها إهتماما.. لا يهم، هي فقط سحابة صيف عابرة..كما عبرت عنها( الشيخة) المغنية الشعبية ( قولوا العام زين آ البنات، قولوا العام زين..) .إضافة إلى أن الكثير من العمال لهمعلاقة طيبة معمقدمالحي..(خذ وهات) هذا الأخير الذي يعرفه العالم كله إلا أنا و أمي ..
مباشرة بعد تناول وجبة الفطور،استدعاني المسؤولالدر كي إلى مكتبه الخاص ، كي أحضى بشرف لقاء (السبع)
دخلت عليه مكتبه المكيف، المعطر و المفرووووش، كان جالسا على أريكة فخمة جلسة سلطان، يلعب برجليه مبتسما للفراغ ..سلمت جهرا. رفع رأسه بسرعة شيطان،لم يقل لي تفضل، تركني واقفا منسدل اليدين وخاطبني بنرفزة مفبركة..ثم حدثني عن الإنتاج و المردودية و عن الصادرات و الواردات وعن مشاكل الشركة داخل أرض الوطن وخارجها و عن المنافسة والجودة و عن.. و عن..وعن أشياء أخرى لاتهمني على الإطلاق، وبين الفينة و الأخرى كان يجبرني على أن افهم!غير أنني كنت أغض من بصري أمام حضرته إستحياءا لأطأطئ برأسي : نعم..نعم..نعم..لأنه لا يحب من يتفرس وجهه الثعلبي ولا حتى من يناقشه في رأيه.. وفي ختام الخطاب توجه لي مباشرة بسؤال استخفافي مباغث: هل أنت لحام أم حداد!؟ ابتسمت إبتسامة مقهور، ثم أجبت بقناعة إنسان: اختصاصي الحدادة، سيدي..و لي دراية كذلك باللحام والمكانيك العام...ما كدت أن أتمم كلماتي حتى فجّر أمام أمعيني ضحكة استهزائية من طراز الحاكمين مخاطبا إياي و هو يفتح طيات ورقة كبيرة بها رسم تبياني لنجمة خماسية: و هل تعرف ( بسم الله الرحمان الرحيم) ؟ أجبت بحذاقة المهدد بالإحتقار بعدما تأكدت أن لا علاقة للدركي لا بالله ولا باسمائه الحسنى..
آه،، تعني النجمة الخماسية، سيدي.. (البانتاكون)؟ نعم أعرفها جيدا .. رد بقليل من الإطمئنان، إذن أنت من سيقوم لنا بهذه الخدمة..خذ هاهوالتبيانأمانة، اطلع عليه جيدا..إنها نجمة خماسية كبيرة ليوم كبير..هيا أسرع و أبرع وإلا..وإلا سأقطع لك شيئا آخر غير أذنيك!
خرجت من مكتبهمسرورا فرحا بشرف الخدمة الجديدة التي أسندت لي لا بشرف الإستقبال ..غير أن بعض أعدائي في الحرفة وجدتهم يترصدونني واضعين مطارقهم أرضامنممين من ورائي نم..نم..نم..حينها تذكرت المثل القائل (أخوك في الحرفة عدوك...) إلتفت إليهم إلتفاتة فاهم ثم غيرت مساري إلى جهة أخرى من أركان المصنع ..


هناك نسيت أبي و أمي و المقدم ونسيت حتى حكاية الدقيق..إنها معركة أخرى من أجل إثباث الحنكة أمام من تسول لهم مطارقهم أنهم صناعا معلمين ..


نسيت حتى عبد السلام عشيري في الإبريق، فلقد لوح لي بيده من بعيد و لوحت له بالمكنسة التي كانت بيدي.


نسيت العالم كله و كنست الأرض جيدا، ثم شرعت في رسم النجمة أولا حتى يتسنى لي أخذ المقاييس..رسمت دائرة شعاعها خيط طويل و مركزها مسمار..قسمت الدائرة إلى خمس زوايا بطريقة تقنية وليس كما يفعل من يفحم أنفه و يقول أنا حداد.. فالكثير من المعلمين التقليديين كانوا يترددون علي كالثعاليب، الواحد تلو الآخر، ما بين راغب في سرقة الصنعة وراغب في سرقة اللوازم!
بعد ذلك أحضرت أقطاب الحديد وكل اللوازم الضروريةمن المتر إلى المطرقة ..ثلاث أيام من التقطيع والترقيع والتركيبو التلحيم والصقل و الإحتراق، كل هذا من أجل النجمة و اللقمة، النجمة أولا لأنها شعار هذا الوطن الذي نحبه ونطمع أن يلتفت لنا في يوم من الأيام إلتفاتة حنان وبرور.
ثلاث أيام لم أغسل خلالها يدي إلا نادرا ..نظرا للجروحات و القروحات والحروقات الناتجة عن السرعة في العمل..لأن الدركي (السبع) كان يقف لي دائما على رجل واحدة، يسائلني صبحا وعشية : أين وصلت تلك النجمة آ ذاك القزدار؟؟؟
أمامك يوم واحد...لا غير، أسرع و أبرع و إلا.. إنه ولد الحرام لايحشم ولا يرمش، يمكنه أن يفعل كل شيء بجرة قلم، لان صلاحياته وسعت كل شيء...حتى الخروج عن القانون أما أنا العامل الضعيف مجرد مأمور.. فليس للميت ما يقوله أمام مغسله و لا ما يفعله إلا الامتثال في كل الأمور..
هكذا أخلصت لهذه النجمة الغالية بحيث لم يبق عامل من العمال إلا و احتشد حولها بفضول حاسدين إياي على ما صنعت يدي وعلى رضا الدركي الذي كان الكل يطمع به ويتسابق إليه لأنه غالبا ما كان يقول لنا ساعة المسكنة بأننا نحن العمال كل العمال ( شيابا وشبابا) بمتابة أبنائه، بحيث كنا نتغامز من خلفه و نضحك مستترين من كثرة الهم و قلة الفهم..
في اليوم الرابع انتهيت من صقل النجمة و من اللمسات الأخيرة..جمعت كل لوازمي وكنست كل الفضلات و ناديت على عبد السلامليأتيني بما تبقى من شاي و لو بارد لأني لم أفطر بعد، و ليتحفني بما كتب البارحة..
حضر عبدالسلام يتخلس مُخبئا إبريقه تحت أكمامه، أبشرني بأن كل العمال لا زالوا واضعين مطارقهم أرضا ينممون (نم.. نم.. نم..) والنجمة وارفة، تكاد تمشي على رجليها..
و لازلت أتناوب أنا و صديقي على كأس الشاي البارد،حتى أرسل لي الدركي مرسولا صغيرا ليصغرني قائلا لي: قال لك الشاف الدركي بأن تخرج النجمة فورا من المصنع لأن شاحنة ما ستأتي لنقلها إلى المعرض هناك بالساحة الشرفية وذلك من أجل مساهمة شركتنا المواطنة في أفراح عيد الشغل المجيد ...
نفذت الأمر النازل من فوق على وجه الفور، فرحا بالنجمة وبالمعرض وبالعيد المجيد..
يوم العيد لم أذهب إلى العمل، فقد وافق الدركي بعد أخذ ورد وبعد قمع ودمع على إجازتي، بعدما ابتكرت له كذبة بأن خالتي ـ أطال الله عمرهاـ ماتت !
صباح يوم العيد تسللت مبشورا من شارع إلى شارع قاصدا الساحة الشرفية،أبحثعن موكب العيد وعن النجمة التي صنعت..


آه، ها هي على متن شاحنة كبيرة،منتصبة كمرآةلمعانها يعكس أشعة الشمس ويعمي العين ومن حولها يتجمهر أناس غلاض، يتصورون و يتبادلون الخطب والأوسمة..فمن شوقي لها اقتربت شيئا ما، لكني في ألأخير أصبت بخيبة أمل كبيرة عندما رمقت عيني الدركي يمد صدره منحنيا لا للنجمة بل للوسام!

حينها شهقت من أعماقي باكيا بكاء الصبيان،بعدما انتابني ضيم شديد على النجمة وعلى الوطن و على ما رأته عيني..ثم تقدمت لا شعوريا بدموعي أمام الملأ صارخا بأعلى صوتي:
تبا لكم أيها المجرمون ..يا أعداء هذا الوطن..وشحتم الدركي وتركتم الحركي
تبا لكم..تبا لكم..تبا....
لكن، من كثرة الأبواق والمزامير، صوتيكان يرجع لي وأشهق باكيا بلا حس، فلا أظن أحدا سمع صراخي و لا رأى دموعي!






المهم أنني بكيت،، وذلك أضعف النضال.










عبدالعالي أواب ـــ يتبع



رائحة الخبز/5






مات أبي و لم أبك، بالعكس لقد فرحت كثيرا لموته، لأني بكيت ما فيه الكفاية طول الست سنوات التي قضاها طريح الفراش في غيبوبة تامة، إنها ساعة الفرج التي طالما انتظرناها، بحيث كان ينادي أمي بأي إسم خطر على باله، فغالبا ما كان يناديها بأسماء الذكور ( آآآ سي محمد مثلا أو آآآ السي قدور..) بينما كان يناديني أنا ( آآآ ذاك الرجل ..أو آآآ بنيتي) وذلك من أجل تقليبه على الجنب المرتاح أو من أجل ان نحضر له بعض الوجبات..
مات الذي أفنى عمره من أجلي، مضى و ترك الدموع متحجرة بعيني كما ترك لي كذلك رغبة شديدة في البكاء لكن الوقت الآن لا يسمح، سأؤجل شهوة هذا الفعل إلى ما بعد ،فأنا الآن متبوع بعدة إلتزامات كإخبار الأهل مثلا زيادة على الخروج إلى السوق من أجل شراء الكفن و بعض اللوازم الأخرى...
إنها ساعة الشدّة والضيق يجب علي أن أصمد بقلب صلب لكي لا أنهار وخصوصا أنني أنا الإبن الوحيد المعتمد عليه ..
لم تمض ساعة على الحدث الجليل حتى توافدت على بيتنا فلول و جماعات من الأهل والأصدقاء، الأهل هرعوا مباشرة إلى غرفة أمي أما الأصدقاء فقد إستقبلتهم في الغرفة الكبيرة المجاورة لغرفة النعش...
كل رفاقي بالمصنع حضروا منهم مومو وعبدالسلام الشاعر و المعلم قدور و و و.. وعبدالرحمان ذاك الوجه البشوش الذي كان يطربنا دوما ( بعيطاته) وصوته الناغم ها هو أراه الآن دامعا متخشعا... إنها لحظة تضامن حقيقية فحتى خصومي و أعدائي في الحرفة حضروا باكين، نعم كلهم حضروا إلا "الدركي" فقد تغيب عن الركب...
بعد عودتنا من المقبرة و إنهاء مراسم الدفن لم يودعني أحد من الرفاق فلقد رافقوني إلى البيت و ذلك من أجل المواساة، قال لي أحدهم وهو يجدد عزاءه لي:( ترجل يا أخي ! ترجل، فالرجل لا تكتمل رجولته إلا إذا مات أبوه..)
أبكاني قول الرجل بعدما كنت مصرا على التأجيل، إنها الدمعة التي أفاضت الجفن.. فلقد بكيت و بكيت إلى درجة ّأنني احسست بنفسي و كأنني صبي لم يتجاوز بعد سن الفطام. نعم بكيت إلى أن امتزج شهيقي المباح بقراءة القرآن.. حاولت أن أتحكم في أمري لكن الجهد فوق جهدي..بكيت و بكيت حتى كاد أن يغمى علي، لكن من حسن الحظ لم تسمعني أمي، فقد كانت مشغولة مع باقي الأهل في الغرفة المجاورة،لأني أخاف عليها أكثر ما أخاف على نفسي من أي انهيار عصبي وخصوصا أنها مصابة بداء السكري
صحوت على صوت الفقيه عبدالله وهو يبسمل جهرا و يلعن كل شياطين السماء و الأرض..
مسحت دموعي و تناولت كأس شاي من يد الرجل الذي أبكاني ثم تحدثنا قليلا في أمور الدين و أمور الدنيا الفانية ثم ثرثرنا كثيرا في غلاء المعيشة و مشاكل الشركة وأعداد الذين ماتوا في بطن المنجم والذين احترقوا و الذين اختنقوا بالمصنع كما تطرقنا إلى تدهور حالة العباد والبلاد و فساد السياسة وظلم القواد إلى أن قاطعنا الفقيه عبد الله دون إستشارة مسبقة بــقوله تعالى : (و لو رحمناهم و كشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون..)
ما كا د أن يسكت الفقيه حتى تسابقـنا جملة إلى رحمة والديه..وبعده دار الكأس بينناـ كأس الشاي طبعاـ تنسمناه فرادى فرادى و به تجدد الحديث..هذه المرة نميمة مباحة بالجملة في شخص 'الدركي' المسؤول عن إدارة المصنع ..
حدثنا مومو عن قصة أمه عندما كانت خادمة ببيوت النصارى و كان' هو' أنذاك نزيلا بدار الأيتام ثم أردف: لكن العلم لله هل هو يتيم أم لقــيــ... تبسمنا جميعا مدركين المعنى ! لكن عبدالرحمان قهقه كثيرا و هو يمضغ الكلام :( ولد الحرام..عيناه زرقوتان ههههه نصفه نصراني و نصفه ... ههههه هكذا يكون الحكام و إلا فلا..)
لحظتها كنت شارد البال واضعا يدي على خدي أقرأ وجوه أحبابي الذين قضوا يوما كاملا في مواساتي إلى أن غلبني الكلام فتكلمت بعدما تبين لي الخيطان ، قلت لجموع الحاضرين: لا أنكر عليكم إخواني أنني ضدكم في الرأي هذه المرة، نعم ضدكم، فلا عيب لا في 'الدركي' و لا في الشركة التي نعمل بها ولا في الحكومة ولا في الحكام و لا حتى في النظام، ولا ولا ... العيب فينا يا إخواني بالأطنان ، نحن الذين نتفق دائما على أن لا نتفق، نسعى جاهدين إلى التفرقة و شتات الصفوف كما نتسابق إلى الرشوة و الوشاية ببعضنا وذلك لغاية في نفس حقود...فلا حل بيدنا الآن إلا إذا متنا و حيينا من جديد..
ما كدت أن أتمم خطابي حتىتسابقوا جميعا إلى رحمة والدي الذي لا زال طيفه لم يفارقني بعد،ثم تكلم عباس الذي كان أشد خصومي و أحقدهم
أخي عبدالله الحركي ، إخواني المتحركين داخل الشركة ، ما رأيكم في أن نوحد صفوفنا تحت لواء إحدى المركزيات النقابية؟؟..إنه حق مشروع وخصوصا أننا طبقة مسحوقة..نعم سنواجه بعض المشاكل في البداية لكن '' ماضاع حق من وراءه طالب''
قلت في نفسي:(هذا عباس..ياسبحان مبدل الاحوال، ما أحوجنا لمثل هذه المناسبات ولو كانت موتا !! ..)
جميعا أيدنا كلام عباس و طلبنا منه أن يتزعم حركتنا النقابية لكنه أشار إليّ بسبابته مرشحا إياي كما طلب مني أن أقرأ على جموع الحاضرين بما فيهم الفقهاء والفقراء، العاملين منهم والعاطلين ''قصيدة الخبز'' التي لاتشبه غراميات عبدالسلام الشاعر في شيىء، حاولت أن أتهرب لكن الشعر غلب، فقرأت:




( زد رتّل هذا النشيد
يا أيها الطفل الجائع المارد العنيد
صوّت بصوتك الرقيق
قل هاتوا الخبز
هاتوا الدقيق ..
إجمع شتاتك و أوراقك الملقاة على الرصيف
بالسيف
بالكلمة حرر رقبة العبيد
زد أكمل هذا النشيد
يا أيها الطفل الجائع المارد العنيد .)
وحين سكتت سكت الجميع طمعا في المزيد،وكنت قد أذرفت آخر دمعة مستعصية بجفني ثم أعدت نفس النشيد..


عبدالعالي أواب ــــــــــ يتبع




رائحة الخبز /6


لأنهم بايعوني بالجملة نائبا عنهم ، ظنوا أن الحكاية إنتهت، وظننت أنهم سيقفون بجنبي في كل المحطات النضالية، لكنهم لم يفعلوا..مساكين معذورين على غيابهم ،ومعذورين أيضا حتى على النفور مني فسيف الشركة ذو حدين، لا مشاورة و لاحوارا و لا ..ولا.. و لا هم يفرحون، فالدركي و أعوانه من المسؤولين عن الشركة المنجمية الشريفة يشردون العمال في كل مرة عبرة لمن يعتبر ويحكمون ظلما لمن أراد أن يحتكم، فالمعلم قدير مثلا كان من الصناع المهرة الأوائل، ما بارت صناعته يوما و لا عقرت لكنه إنتهى أحمقا يخيط شوارع المدينة و يرتق أزقتها بعدما ألقى بكل أثاثه المنزلي الفخم من النافذة ... طلق العمل الطلاق الثلاث و صار يجوب الشوارع عرضا وطولا وهو يضحك، يضحك ويضحك ههههههههههه... ذنبه في ذلك أنه كان لا يكتم كلمة الحق ..أما آخرون فقد شُردوا هم و أطفالهم و نساؤهم إلى درجة أن لسان الشارع لم يعد يتطاول على أحد من الناس سواهم ..هذا البريء إبن فلان وتلك الضحية زوجة فلان بيد أن فلانا كان و كان.. كان رجلا و نعم الرجال..
مساكين معذورين لم يطؤوا يوما مقر نقابتنا رغم أنهم كانوا دائما يقسمون لي بالله العلي العظيم أنهم في المرة القادمة سيحضروا..لكنهم في النهاية يأتونني معتذرين.. منهم من يبرهن غيابه بموت أحد أفراده و منهم من يقول لي آه نسيت ومنهم مسافر و لا سفر ! لكن الجميل فيهم أنهم كانو يعدونني كل مرة بالحضور كانوا يقولون لي متأسفين : في المرة القادمة إن شاء الله لابد و أن نحضر..
و لأني كنت دائما أُعرفهم بمفهوم النقابة تماما كما شرحه لي أحد الرفاق الضالعين في فعل النضال حين سألته يوما عن ماهية النقابة و رد علي مازحا ومستهزئا النقابة هي ان تنقب عن زلات إدارة الشركة و تدينها قبل ان تصبح قانونا معمولا به و هي أيضا من غير عمال فاعلين مجرد كراسي فارغة تضر و لا تنفع .. كنت أستدفء بثقتهم لكن كلما أتت المرة القادمة لا يقدمون ، يا سبحان الله و كأنهم على إتفاق مسبق .. دائما نفس التبريرات ونفس الأعذار.. مثلهم في ذلك كمثل قوم موسى حين قالوا له: (فإفاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون)..
فقط بعض العمال القلائل كانوا يأتون لامن مصلحة الصيانة الميكانيكية التي كنت أنتمي إليها بل من بعض الأقسام الأخرى من عمال ما تحت الأرض أي الغار ..سواء من " الجهيرة " أو " العراض " أو "المزيندة " و كلها مدن تحت الأرض يحكمها رجل من فوق الأرض أنيـــــــــــــق جدا و ظالم ظلم مستعمر يضرب بالعصا و تمتد إليه..هذه الفئة من العمال كانوا يلقبون بـ : ( الدوزيام حلوف) أي الحلوف رقم 2 نظرا لشجاعتهم و بسالتهم وعرض عضلاته.. لكنهم هم الرجال الحقيقيون ، أذكر أنهم اعتصموا ذات مرة في قلب الغار و أضربوا عن الطعام، رجال و نعم الرجال يعملون بجد و نشاط و إخلاص و يعرفون الوطن أكثر ما يعرفهم..هم الذين يستخرجون المعدن النفيس من جوف الأرض سواء من " الجهيرة " أو من 'العراض " أو من تحت قرى أخرى متاخمة لمدينة الضباب و التراب (…..)


إنها مجموعة أغوار تنحدر إلى إلى أعماق الارض بمآت الأمتار مكتوب على بيبانه كما يقول ) العطاشة ( أي عمال ما تحت الأرض: (الداخل مفقود و الخارج مولود..) نَعم رجال ونِعم الرجال و التاريخ شاهد على ما يقال و 'ولد زازة' أكبر العطاشة شهيد وشاهد على العصر، على ذاك المكان وعلى ما كان.. هذا الأُخي الذي لفض أنفاسه الأخيرة بين أحضان رفيق له على درب النضال و في فمه كلمة لا إله إلا الله، مات مغذورا برصاص العسكر أمام باب المنجم رقم " … " غريبا مات، لا أحد حضر إحتضاره.. لا كاميرات و لا شاشات ولا مذياعا يذيع الخبر.. ذنبه في ذلك أنه رفع راية العصيان ناضل و أعلن الإضراب.
أما رفاقي عمال الصيانة المناضلين ما فوق الأرض، فقد كانوا لا علم لهم لا بتاريخ الشركة الأسود و لا بولد زازة من يكون ؟ الشيء الذي زاد في طينهم بلة و في ردتهم حدة ..مناضلين و ماهم بمناضلين، دائموا الغياب كثيرو السؤال..همهم الوحيد هو أنهم كلما عدت إليهم يمطرونني بالأسئلة و بالإعتذارات عن عدم الحضور إلى مقر النقابة الوطنية لعمال التراب..
أذكر أني عدت ذات يوم مبتهجا ومعي بطاقات إحتجاجية صفراء مستديرة ظانا أني سأوزعها بكل شغف على جموع الرفاق من العمال لكني أصبت بخيبة أمل لأن كل الرفاق الذين كنت أحسب لهم ألف حساب قلبوا لي الأوراق والموازين في يوم مشين و ما هو بمشين منهم من تنصل مني بسلام و منهم من لم يقل لي حتى السلام !!
و لأنهم كانوا يعترضون طريقي واحدا واحدا صباح مساء مستفسرينني عن بعض الأستحقاقات الموعود بها إلى درجة أنهم كانوا يشغلونني عن مهامي وواجباتي المهنية هاهم اليوم يوم الشارة ينفرون مني..اقترب ويبتعدون . حاولت هذه المرة أن أقترب منهم و أحسسهم كالعادة أن الوضعية السياسية في البلاد تحسنت و أن العقلية تغيرت و أن الشركة رغما عنها أنفتحت على بعض الحقوق و خصوصا النقابية منها ، لكن دون جدوى لم يقتنعوا و لن يقتنعوا ولا هم بمقتنعين... مثلهم في ذلك كمثل الدجاج الذي فك من قيده و لا زال يحسب نفسه مقيدا ...
وحدي حملت الشارة الصفراء المستديرة... يومها كم فرحت بها و كم أعجبت.. علقتها على صدري رمزا للكرامة و الشهامة و الرجولة أيضا في زمن الدجاج الأبيض و قلة الرجال..وحدي أندد وأحتج ..أطالب بالزيادة في الأجور ، تمليك السكن و الترقية نعم الترقية لأن هناك من العمال من بدأ مسيرته العملية حلوفا و أنتهى حلوفا أما الأطر و المهندسين و غيرهم من أولي الأمر بدؤوا مهندسين صغارا و انتهوا رؤوسا كبيرة وغليضة في هرم الدولة ككل ...أما أنا العامل المناضل الشريف فأرفض كل الرفض أن أبدأ مسيرتي العملية حلوفا و أنتهي حلوفا...لأني عامل مردودي و أريد أن يعم فضل مردوديتي عليَ وعلى كل المتعبين أمثالي ..
كان بالإمكان أن اكون ... لكني طاوعت ضميري و لم أطاوع المسؤول ..لم يُطلب مني شيئا سوى السكوت لكن عيبي الوحيد أني لا أسكت عما تراه عيني المبجحة من خروقات لأن لساني طويلٌ طويلٌ وطويل دائما يغلبني و لاغالب إلا الله.






عبدالعالي أواب ـــــــ يتبع

















رؤية نقدية لـ رائحة الخبز///1ـ2ـ3ـ4أعزائي القراء
أصدقائي الأعزاء
أرتأيت أن أنقل لكم هذه الرؤية النقدية التي أنجزها صديقنا الناقد خالد الصاوي لبعض أجزاء روايتي// رائحة الخبز// هذا الرجل الإنسان الذي لم يتسلل فقط إلى جزئيات روايتي و الغوص في تفاصيلها الدقيقة جدا بل ذهب إلى أبعد من ذلك ...إلى أعماق أعماقي
لذا قررت أن أقرب هذه الرؤية النقدية الملموسة و المحسوسة إلى رائحة خبزي و إلى تاريخي التدويني..
كما أتمنى أن يبقى التعليق مفتوحا حتى يتسنى للقراء الجدد الإطلاع على هذه الرؤية النقدية الجيدة والجادة..
شكرا مرة أخرى للأستاذ الناقد خالد الصاوي على هذه الصفحة المجيدة التي تجمعني أنا و إياه رفيقين إلى الأبد..
كما أشكر كل أحبابنا الذين حضروا مباركين لنا هذه الزفة المباركة
صاحب رائحة الخبز//عبدالعالي أواب







رائحة الخبز وهموم عامل/خالد الصاوي
إهداء :
إلى كل المقهورين في عالمنا إلى الشعب الفلسطيني والعراقي وإلى عمالنا الشرفاء أهدي هذا العمل و للعم أواب الذي استوقفني العنوان كثيرا ( رائحة الخبز ) لما يحوي من معان عميقة وأخص بالإهداء كل جيراني جاد يقدم قيمة للقراء.



قراءة نصية


يبدأ الكاتب بتوضيح العلاقة التي قد تبدو متناقضة في مطلع عمله الإبداعي ما بين القلم كرمز للتعبير عن الكتابة وتفريغ المحتوى الفكري الذي يحمله وبين يديه الصانعتين التي لا تعرف إلا لغة الحديد وقطعه والكتابة هنا لا تمثل محض تفريغ خواطر للترفيه ولكن هي معتنق فكري وهنا نجد الصعوبة في تفهم حداد لهذا المعتنق (ليس بالأمر الهين أن يرمي حداد ما, المطرقة من قبضة يده و يمسك القلم بين أصابعه المفحمة بلون الصدأ الحديدي ويعتنق ملكة الكتابة. )
وهو يعطينا مبررات كيف أن العمال لا يستطيعون بسبب التعب الذي يؤثر على حياتهم والذي ينتقل معهم من داخل المصانع خارجها (كما ليس هيّنا عليه كذلك أن يمسح عن طبلتي أذنيه صياح القزدير , و يخلد إلى ركن هادئ و دافئ ,بعيدا عن صخب و ضجيج المصنع ونفاياته ليكتب يومياته مرتبة ومرقمة كما يجب .. ) و الشئ الوحيد الذي يدفعه للكتابة حتى يخرج هذا الكم الهائل من السخط (لكنها الضرورة, ضرورة البوح بما في الصدر من حَرّ قبل أن ينفجر !؟


) وكما قلت سالفا فهو لا يكتب ترفا بل يريد أن يحدث ثورة حتى لو كانت على الورق فكاتبنا يحمل أيدولوجيا يتحرك من خلالها لا يستطيع إخفاءها رغم محاولته عدم فضح هذه المعتقدات أثناء الكتابة ( لكن هل أستطيع ــ أنا العامل البوجادي البسيط ــ أن أحدث ثورة على الورق) وتدور عدة أسئلة في هذا الرأس المتعب هل ..؟ وهل ..؟ وهل ...؟ ليجد نفسه في النهاية يلجأ لمقولة تراثية لوالده مما يؤكد أن الكاتب يرى في التراث بعض الجوانب التي يمكن الاستفادة منها فهي تاريخ قابل للجدل وأيضا يوضح الحكمة المتناقلة عبر الأجيال وخاصة من الطبقات التحتية في المجتمع (:(اللّي ما يَغسلْ كساتُو أو ما يكتبْ بْراتُو ولا ..ولا.. يتعزى في حْياتو..) ) ( ثم يشرح المثل برؤيته الخاصة والمعاصرة والتي تؤكد أن مجتمعاتنا اتجهت إلى الفردية فكل مسؤول عن ذاته ( يعني كل إنسان وجب عليه قضاء حوائجه بيده وإلا فليتقبل التعازي في حياته قبل مماته وذلك خير له من عيشة ضنكا.. ) ,
ثم يحدد كاتبنا الفترة المعنية بكتاباته وهي التي قضاها في مرار في الشركة المنجمية والتي نعتها تهكما بالشريفة وهذه المدة من القسوة بحيث لا يعدها بالأعوام فقط بل بالأيام مما يؤكد مدى الإحساس بالمرار كعامل قضى أيام شبابه بين هذه الأسوار بما تحوي كلمة أسوار من حبس وتقييد وأحيانا ظلم وإهانة وهنا يشتد الصراع الداخلي داخل الكاتب وهو يقارن بين مدى التعب والعرق المبذول وبين اللقمة الزقومية التي يحصل عليها لأفواه جائعة إذن الاضطرار هو الدافع الوحيد للاستمرار في مثل هذه الحياة الهذلية بمثل هذا الطرح من الظلم وما يتبعه في مقابل بيع الصحة والعمر بين جنبات هذه الأسوار القاسية لهذه الشركة ومثيلاتها ثم يبين لنا الكاتب القوانين التي تسير الحياة داخل هذه الأسوار وكلها قوانين الفساد والرشوة وأهم ملمح ركز عيه هنا هو محاولة الطبقة الحاكمة المتمثلة في الشيفات أن تخلق نوعا من التفتيت بين العمال مستغلين ضعاف النفوس وزهيدي الثمن من العمال ليقوموا بالوشاية وتسود هذا الروح بين العمال من أجل المكاسب الدنية التي يحصل عليها بعض العمال وبذلك يضربون وحدتهم التي هي مكمن الخطورة في التغيير ليس داخل أسوار الشركة المنجمية فقط بل وقد يكون خارجها
وهنا يطرح اختياريين للعمال إما العار أم النار والطرد والجوع وهنا أيضا يطفو الملمح الأيدلوجي والطبقي في كتابات عم أواب .
ثم يبدأ في الجزء الثاني ليأخذنا في تفاصيل الدخول إلى عالم العمال وكيف تكون البداية غير مبشرة بالخير وكيف تكون مهينة وكيف هي الأحلام في دخول عالم المدينة وكيف يأتي العمال من كل فج وجيع هربا من الجوع والفقر إلى مذلة ومهانة نراها في المعاملة الغير إنسانية مع بداية إنجاز أوراق التعيين والاعتماد داخل هذه المؤسسة وكيف يوضع الأمر بين يدي طبيب يتعمد الإهانة لهؤلاء الذين سيصبحون عمالا نظاميين ولنلمح ما رآه الكاتب أو بطل القصة هنا داخل هذا المشفى وهو النهاية لبعض العمال وهو المرض المعجز وإهمال العلاج لهم فهم أعطوا ولا مقابل لعطائهم إلا المرض والعجز و الإهمال
( عمال معطوبون يجرون عكاكزهم ومرضى صُفر يتشمسون هنا و هناك في حديقة مصفرة الأعشاب, منهم من يدخن ومنهم من يعيد فطوره, و منهم من يقرأ الجو رتال, و آخرون يلعبون الورق تحت أشجار الكلبتوس الوارفة, كل يمارس فوضاه كما يحلو له و كأنهم على علم مسبق بأن الطبيب المدير, مشغول .. ) ثم ينجح بطل قصتنا في الاختبارات الطبية ويعلم من مساعد الطبيب أنه لابد وأن يتوجه إلى إدارة الشركة ليلا ليكمل الإجراءات الخاصة بتعينه ويجد نفس حالة الازدراء والاحتقار التي يجدها أينما حط أو رحل داخل هذه المؤسسة العمالية المبنية في بنائها الاقتصادي والربحي على عرق هؤلاء العمال ,
ثم يحصل بطلنا على رقمه الذي مازال يحفظه منذ ذلك التاريخ حتى هذه اللحظة وهو فرح كأن هذا الرقم هو الخلاص الوحيد من الفقر والجوع ( (سبعة,ثلاثة,سبعة,صفر, ستة)
يعيش هذا الرقم,يعيش..! )
وفي الجزء الثالث يوضح كيف كان بطلنا مسكونا بالذهاب اليوم الأول للعمل بعينين متأرقتين معتمدتين على ساعته القديمة والتي تمثل قيمة ثمينة له والقلق والرهبة يتملكانه , ثم يدخل وسط جموع العمال وهنا يكتشف الجميع هذا الغريب الجديد عليهم ويتهامسون ويضحكون وقد يكون ذلك لأن علامات التعب لم تظهر عليه أو لأن نظافة مظهره قد تكون هي السبب ثم يستوقفه الصوت الذي يبدأ من على الباب في إظهار التحكم ورغم جهل مستوقفه إلا إنه يذهب به ويسلمه للدركي الذي حضر بعد ساعتين مستخدما لغة الاستعلاء والأنانية وعرفه بنفسه بأنه مسئول القسم الميكانيكي وسلمه لرجل شيباني يجر عربة ثم يأمره بعد أن يجره من قفاه أن يتعلم من هذا الشيباني وعليه أن يأخذ منه زيا قديما يلبسه , ثم يدخل بنا الكاتب داخل هذا العمل بهذه الشركة معتمدا على الحوار الخارجي بين الشيباني وبين بطلنا وأيضا الحوار الداخلي الذي يعتمل داخل البطل نفسه مما يدخلنا هذا العالم بخفة ورشاقة دون الاعتماد على الوصف المباشر مما يجعلنا رغم كثرة السرد والتفاصيل لا نشعر بالملل داخل العمل بل يأخذنا الكاتب عن طيب خاطرنا مستسلمين له محركا أعيننا وعقولنا وأفئدتنا داخل هذا المكان ونتفاعل مع شخصياته التي تبدو مألوفة في حياتنا اليومية فلا نشعر معها بالغربة سواء متعاطفين معها أو مستهجنين لها , ثم يلفت نظره هذا اللحام الذي يكتم أنفاسه ليصبح دقيقا فيما خلق له من تشكيل الحديد أشكالا عدة وذلك تحت ظروف قاسية في العمل ونقص في المعدات مما يدل على أن العامل مهما تطورت التكنولوجيا فهو المحرك الأول لعملية الخلق والإبداع والتصنيع ثم يدخل لنا منحى إنساني عالي الشفافية في رائحة عرقه المختلط برائحة عرق زميله الكامن في الزيِّ الذي كان يلبسه زميله قبله وكأن الامتزاج في العرق والهم وضياع الحياة هو القاسم المشترك بين العمال وهنا بعد أن اختلط بطلنا بزملائه العمال يرى الصراع المفتعل والذي أججه إدارة هذه المنشأة للسيطرة على جموع العمال والصراع المفتعل بين شريحتين هما شريحة الشباب وشريحة القدامى من العمال وكيف أن الصراع بين العمال أخذ حد الخبث والمكر وخاصة من مومو الذي يريد له أن يقع تحت الجزاء الدركي ويعاني بطلنا منذ البداية الكره والسخط على هذا الدركي الذي اقتطع من قوته أجر يومين نسبب الضحك وكأن الضحك من المحرمات البشرية .
ثم ينتقل بنا ويغوص كاتبنا من خلال بطله إلى داخل هذا العالم العمالي في لحظاته الصعبة أيام المجاعة وندرة الدقيق ( الخبز ) الشهيرة في بلاده في فترة الثمانينيات وهو يخرج لعمله مخلفا وراءه أب هرم يحتضر وأم تسعى من أجل الحصول على حصة دقيق ثم يتحول إلى العمل مهموما مكدورا يسمع أحاديث الزملاء عن المجاعة وكيف يأخذون حصصهم من الدقيق بسبب علاقاتهم مع مقدم الحي بعلاقة هات وخذ وهذه الطريقة الرخيصة لا يعرفها بطلنا لا هو ولا أمه , ثم يرسل له الدركي الذي أخذ يحدثه باستعلاء عن آليات الإنتاج والتصدير والاستيراد وفي أمور لا تشغل بطلنا ولا طبقته في ظل هذه المنظومات السياسية التي لا تقدر العمال ولا تعدهم هم بناة الأوطان الحقيقيين هم وشركاءهم الفلاحين فكيف ينشغلون بكل ما يكون غير عملهم , ثم يسأله الدركي عن صنعته وهنا بدأت الثقة تدخل نفسه فهو حداد ولحام وميكانيكي ويوكل له الدركي عمل مميز النجمة التي تحمل شعار وطنه ولم يشغله أي شئ سوى أن ينجز هذا العمل الذي يثبت به ذاته الصانعة , وبدأ ينجز عمله بين أدائه المتميز والجديد وبين نظرات الحسد أو التطفل من زملائه أحيانا ,وأخيرا أنجز عمله ببراعة وإتقان مع كثير من التعب والخسائر والجروح ولكن فرحته أنه فقط أنجز عملا مميزا , وبعد حيلة مع الدركي الذي لم يقدر مجهود بطلنا ونزل البطل في أجازته إلى ميدان الشرف للاحتفال بعيد العمال , وهنا يأخذنا الكاتب إلى منحنى آخر لقد أصيب بطلنا بخيبة أمل شديدة عندما وجد الدركي يتهافت على الوسام ولا يتهافت على النجمة التي هي تمثل رمز تعبه ورمز الوطن وتبين أن العمال هم البناوون لهذا الوطن النجمة هي الرمز الأول الذي يستخدمه الكاتب وإن كان قد فضح رمزه (عندما رمقت عيني الدركي يمد صدره منحنيا لا للنجمة بل للوسام!
حينها شهقت من أعماقي باكيا بكاء الصبيان،بعدما انتابني ضيم شديد على النجمة وعلى الوطن و على ما رأته عيني..ثم تقدمت لا شعوريا بدموعي أمام الملأ صارخا بأعلى صوتي:
تبا لكم أيها المجرمون ..يا أعداء هذا الوطن..وشحتم الدركي وتركتم الحركي!
تبا لكم..تبا لكم..تبا.... )
وهنا ينخرط بطلنا في البكاء والنشيج وتضيع ملامح صوته مع مظاهر الاحتفال ولكنه يرى أن البكاء هو أضعف النضال وكأن هذه اللحظة تحديدا هي المحرك الأول لوعي بطلنا ناحية النضال وناحية طبقته المطحونة .

ملامح عالم الكاتب :

يذكر لنا الكاتب ملامح علم متميز بالعطاء الفني هو عالم العمال وملامحه التي يسيطر عليها المعاناة والفقر وضيق ذات اليد فهم أتوا من كل فج وجيع بحثا عن الرزق والعمل يقدمون التعب والجهد والعرق من أجل فتات ترضي أفواه أولادهم وعوائلهم الذين يقومون بالإنفاق عليهم وهذا الملمح نراه مرتبطا بالعنوان الذي لابد أن يجذب القارئ الواعي وهو رائحة الخبز وهنا توقفت كثيرا أمام هذا العنوان - لدرجة أنني تشممت الخبز فعلا ولكنني لم أتنسم رائحته ولكنني أنا نفسي أتذكر رائحته وذلك يكون للخبز رائحة لحظة الجوع نفسها وبعد شرائه ساخنا لقد قمت بالتجربة عدة مرات لأفهم ذلك العنوان جيدا بل لأشعر به – فلم يكن العنوان محض عنوانا دعائيا لمقال بل كان ممثلا لعالم يعيش من أجل لقمة الخبز فقط ملتمسا كل السبل في سبيل تحقيقها والحصول عليه ساخنا وذلك بسبب الأفواه الجائعة التي تنتظره فهذا العنوان كافيا فقط لتصوير حالة المعاناة التي تعيشها الطبقة العاملة بشكل مستمر ونجد ملمحا آخر في ذلك العالم المطروح أمامنا وهو مدى القهر والاستهزاء و الإحساس من الغير بدونية العامل وحقارته ووضع الكاتب عالمين متقابلين داخل مؤسسة العمل العامل ممثلا عن طبقة المطحونين الذين يزدرونهم رؤساؤهم في العمل ويحتقرونهم في مقابل الرؤساء المتغطرسين المغرورين الذين يأكلون ويعيشون بترف من وراء كد هؤلاء العمال وهذا الصراع وإن لم يظهر فيه الصراع الطبقي واضحا لأن فئة الرؤساء في العمل إما هم ممثلون لسلطة حاكمة وتمتلك السلطة وسائل الإنتاج بصفتها تدير حركة رأس مال الدولة لصالحها ولصالح الشرائح الموالية لها و إما أنها تابعة للرأس مال الخاص وهذا لم يتضح من خلال السرد بل نحن نميل إلى أنها شرائح وفئات خاصة لإدارة رأسمالية الدولة ولكن يوضح لنا الكاتب أمرا مهما أن هذه الفئات هي النقيض المباشر والواضح في عملية الصراع الطبقي بصفتها ممثلة للاستغلال الذي يتم للطبقة العاملة , وأيضا يوضح لنا بحيادية تامة طبيعة العمال وكيفية تقبل الإهانات بسبب عدم الوعي بقوة طبقتهم وبسبب عدم نيل قدر كاف من التعليم مما يجعل منهم المخلصين والتابعين الأذلاء للرؤساء والمنافقين والحاقدين ويبدو لنا بطلنا مختلفا في التكوين الثقافي والفكري وأيضا البيئي فهو برغم فقره معتد ومعتز بنفسه مدرك لإبداعه كصانع ومدركا قيمته كإنسان له حق الحياة الكريمة .







اللماحات السردية في كتابات العم أواب :
لاشك أن الكاتب هنا يعمد إلى اجترار حكاياه الخاصة به ليكشف لنا عن عوالم مقهورة في مجتمعاتنا العربية ويلجأ إلى السرد كمعبر أساسي عن هذه الذكريات والسرد هنا نجده يغوص في تفصيلات جزئية كثيرة ولكنها رغم زخمها وكثرتها إلا أنها تؤدي دورا فاعلا وغير منفر للقارئ الواعي والمثقف فهي تفصيلات تبدو للوهلة الأولى أنها غير مفيدة لهذا العمل ولكنني أرى أنها تؤدي وظيفة حيوية في فهم هذا العالم الغني بالتجربة ونلاحظ أنه لم يعتمد على الوصف فقط في عملية السرد وإن مال إليه بعض الشئ ( أصابعه المفحمة بلون الصدأ الحديدي ) ( أمام باب المستشفى المنجمي إلتقيت بمجموعة من الرفاق القادمين من كل فج وجيع, مذعورين تجوقنا كقطيع خرفان,لا حديث يدور بينا إلا عن سلامتنا )



( في الطريق, كادت روائح الأدوية تزكم أنوفنا المشرعة, مررنا على أشياء كثيرة تثير الإنتباه, قطط رومية بدينة تحتل جهة المطعم, عمال معطوبون يجرون عكاكزهم ومرضى صُفر يتشمسون هنا و هناك في حديقة مصفرة الأعشاب, منهم من يدخن ومنهم من يعيد فطوره, و منهم من يقرأ الجو رتال, و آخرون يلعبون الورق تحت أشجار الكلبتوس الوارفة, كل يمارس فوضاه كما يحلو له و كأنهم على علم مسبق بأن الطبيب المدير, مشغول ..قلت في نفسي ربما صادفنا وقت الإستراحة! )
ويكسر الكاتب السرد الوصفي والمباشر والانفعالي بتداخل الأساليب الإنشائية المتمثلة في الأسئلة الواعية لذاته أحيانا على شكل مونولوج داخلي أو عن طريق الحوار الذي يتم مع بعض الشخصيات الفاعلة في عالم الكاتب سواء الطبيب ومساعده أو الدركي أو بعض الزملاء في العمل .
ويلعب التركيب اللغوي المتميز في هذا العمل دورا هاما في إتمام عملية السرد بنجاح فهو يميل إلى التلون والاشتقاق اللغوي في بعض ألفاظه مثل ( وجيع ) بالإضافة إلى التجديد في التركيب اللغوي الشائع والموروث سواء من القرآن الكريم أو بعض الأمثال والحكم وكاتبنا يمتلك حصيلة لغوية تسعفه على التعبير عن خواطره المزدحمة والمتلاحقة بالإضافة إلى التصوير الذي يخلقه الكاتب من بطن الصور القديمة ببراعة وبلا مجهود أو معاناة فهو كما يستطيع تشكيل الحديد فإنه يستطيع بنفس البراعة رسم الصور الفنية وخاصة الممتدة منها بالإضافة إلى ميله لاستخدام المضارع في عملية سرد الماضي فيزيد من الحيوية والهرموني المتصاعد للحدث فيضيف عنصر الجذب إلى عمله


رائحة الخبز 1

رائحة الخبز2
رائحة الخبز 3
رائحة الخبز4
http://aouab1.jeeran.com/archive/2007/7/269726.html
أضافها kher1, في هموم عامل في 03:27 ص, أرسلها , (30) تعليقات



أضف تعليقا


dhifaf من المغرب
12 يونيو, 2007 04:21 ص
الصديقkher1,
//
//
في البداية لابد أن أوضح أنك دعوتني من موقع السهو باسم الصديق عبد العالي اواب.يحصل الشرف الكبير بذلك لكن لابد من ذكره من باب الأدب
أما فيما يخص تحليلك ليوميات رائحة الخبز فهو تحليل عميق أخذ منك مجهودا عظيما.وتعتمد القراءة رؤية إديولوجية واضحةفي نظري ومن يكتب دون بوصلةإديولوجية تضيع كلماته كالسراب .كما أرى الى جانبك ان دور الكاتب في وقتنا الحالي لا يعفيه من التعبير عن واقع الفئات التي لاتستطيع التعبير عن ذاتها بل يجعله في قلب الطاحونة.فالمثقف الحقيقي هو الذي يماررس مهمة الكشف والإزعاج...
//////////////////// ضفاف


dhifaf من المغرب
12 يونيو, 2007 04:32 ص
الصديقkher1,
//
تصويب:في البداية فهمة الدعوة:
_عمو أواب تحت مجهري شرفنا بالزيارة-
بشكل غير صحيح // المعذرة
// شكرا على القراءة القيمة والدعوة
أزورك مرات
////////////////////////ضفاف


kher1 من مصر
12 يونيو, 2007 06:46 ص
dhifaf لم تكن دعوتكم على سبيل الخطأ أو السهو بل كانت مقصودةو قد قلنا عم اواب تحت مجهري لجذب انتباهكم للحضور وذلك لكوننا وجدناكم جادين في مدونتكم لكم مني التحية وارجو التعليق على الرؤية النقدية المطروحة وارجو ان استفيد منكم بذكر الملاحظات
سعدنا بحضوركم


نبيلة غنيم من مصر
12 يونيو, 2007 12:54 م
الله يا فنان
الله يا خالد .. حينا تغوص في الشخصية الأوابية فتستخرج كنوزها وتضعها أمامنا ننهل من عسل بحرها الواسع
نقف عند طبقتينا .. العليا والدنيا .. فقد اصبحت الطبقة الوسطى شبه منعدمه وأصبح الفقر في مواجهة الغنى .. ورائحة الخبز مقابل رائحة شواء اللحم .. هنا نقف كثيرا أمام هذا العمل الجاد!!!!!
ولثراء الكاتب ومسه لموضوع يهم قطاع كبير من البشر ولأن الفقر والهم هو السائد بين طبقة العمال الذين يحملون البلاد فوق رؤسهم ولا يجدون في النهاية الا الفتات ..
فقد وجدت يا خالد طريقك الميسر لخوض غمار الرؤية النقدية المثمرة والتى تضعنا أمام شخصيتين عظيمتين : كاتب قدير وناقد غواص ماهر
ابهرتنى يا خالد برؤاك النقدية هذه
دمت بخير
ودام قلمك المبدع
لك كل تحياتي واحترامي


mihyaar
12 يونيو, 2007 04:18 م
الغالي خالد:


كنت قد قرات قصة الأستاذ أواب...وقد اشتممت منها رائحة الخبز الريفي في مناطق العزلة...

وخرجت ببعض الرؤى والإنطباعات خاصة ذلك الإمتداد الذي تصنعه القصة لمرحلة الإشتراكية وما يليها...

وكذا الكتابات التي تشكلت من خلال الصراع الإيديلوجي...

ثم وجدتك يا أستاذ بالفعل قد غصت عميقا في هذه القصة حيث استوقفتني عبارة " يوضح لنا الكاتب أمرا مهما أن هذه الفئات هي النقيض المباشر والواضح في عملية الصراع الطبقي بصفتها ممثلة للاستغلال الذي يتم للطبقة العاملة"...

وهي حسبما أعتقد العبارة المفتاحية الإختزالية لفهم النص الأوابي ...

دمت رائعا...


kher1 من مصر
13 يونيو, 2007 12:30 ص
الاستاذة نبيلة غنيم شكرا لك على قراءة النص بشكل جيد وايضا شكرا على اسهاماتك النقدية ورأيك في الطبقة العاملة وتقديرك لها فعلا هي من يتجمل الاقتصاد القومي في اي بلد ولم يحصلوا على القيمة الحقيقية المبتغاه من عملهم بل رجال الاعمال واصحاب رأس المال هم الذين يحصلون على الكعكة اما هؤلاء فلا يحصلون الا على الفتات والاحتقار والسخرية


kher1 من مصر
13 يونيو, 2007 12:52 ص
فعلا يا مهيار هذه العبارة هي مضمون الصراع الاوابي بين الطبقة العاملة التي تقدم كل شئ وبين اصحاب رأس المال الذين يحصلون على كل شئ فلابد أن ينشأ الصراع وهذا اللون من الادب ليس قاصرا على مرحلة الاشتراكية فقط بل يظهر هذا الصراع في مراحل توحش الرأسمالية ويزداد كلما ترغلت الرأسمالية في التوحش وهذا النوع من الموضوعات الادبية ذو قيمة عالية لانه يصور صراعا حقيقيا على ارض الواقع وليس مفتعلا
ولو لاحظت هناك مستويين من الصراع الصراع مع الشيفات وصراع داخل نفس الكاتب من بعض شرائح طبقته من المتخاذلين الذين لايدركزن الوعي بقوة طبقتهم


قمة الفن
13 يونيو, 2007 08:27 ص
اخي خالد
تحليل اكثر من رائع
فعلا اصبحت الطبقه الوسطى في المجتمعات العربيه معدومه
دمت بخير


kher1 من مصر
13 يونيو, 2007 09:23 ص
الستاذ نياز فعلا انت قمة الفن وان كنت اراك قد خلطت الطبقة العاملة بالطاقات المتوسطة لكن انا معك في لابد من تغيير التصنيف للطبقة العاملة فهناك شرائح كثيرة من الطبقة المتوسطىة تندمج الآن مع الطبقة العاملة وتقاسمها الفقر والهم والغم


بسام البدري من فلسطين
13 يونيو, 2007 12:06 م

لا شك أن الجزء الأول يوضح الصراع بين طبقة تجدّ وتكدّ من أجل لقمة العيش وكسرة الخبز .. وطبقة لديها اللحم لتأكله متى شاءت ..

وهذه الطبقة العاملة الفقيرة الدنيا التي بالكاد تجد ما يسد رمقها .. تعاني من أخلاقيات المجتمع المحيط بها .. فمنها من يصبر على لقمة عيشه ولا يبيع شرفه متحملاً في ذلك شظف العيش وأهوال الطبقة العليا والظلم الواقع منها ..

وأحب أن أنوه أن هذه الأهوال والمظالم قد يجدها الإنسان في كل مكان ولكن بأشكال مختلفة وأساليب متباينة ..

وأحب أن أشير أيضاً .. أن الظلم الواقع .. قد يكون عاماً شديداً وشاملاً في أحد المجتمعات .. وقد يكون جزئياً وربما استثنائياً في مجتمع آخر يتحلى ولو بالشيء القليل نسبياً من الأخلاقيات والعدالة ..

أخي خالد .. لست بناقدٍ فني .. ولكنك شددتني لهذه الرواية وقد وجدتها ممتعة .. وأشكرك عل إتاحة الفرصة لي لتنويع اهتماماتي :)

بسام البدري


بسام البدري من فلسطين
13 يونيو, 2007 12:08 م

أخي خالد ..

سوف أقرأ جزءاً جزءاً حسبما تيسر لي ذلك .. لأعطي كل جزء حقه من الاهتمام .. ومتابعة نقدك .. فالرواية جيدة ..

بسام البدري


kher1 من مصر
13 يونيو, 2007 01:36 م
شكرا أخي بسام البدؤري ان رأس تالمال هو وراء كل النكبات في العالم ووراء كل نكبة رأس مال امبريالي وهم اول ما يستغلون يستغلون عمالهم ويقهرونهم بكل مال اتوا من ظلو وجبروت
لك ان تقرأ يا دكتور وتستمتع


tobe2 من المغرب
13 يونيو, 2007 08:32 م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
في البداية اود ان اشكرك الشكر الجزيل على الدعوة الطيبة منك.
انا فعلا اطلعت على رائحة الخبز وكان في مستوى رائع ،الا ان القراءة لاتكتمل الا بالتحليل ...
تحليلك تحليل منطقي ورائع قراءة فيه جزء وسأكمله انشاء الله
اشكر لك مجهودك الطيب لانجاز هده الدراسة.


kher1 من مصر
14 يونيو, 2007 02:45 ص
الصديق توبي 2 اشكرك اولا على الحضور وثانيا أتمنى أن تثري العمل بآرائك الخاصة حتى يأخذ العمل حقه ( عمل عم أواب ) لابد أن يقوم كل منا أن يضيف من معينه على الدراسة حتى تتضح الرؤية أكثر


munaasad من الأردن
14 يونيو, 2007 05:52 ص
عندما نقرأ العنوان المثير الذي يبدأ برائحة الخبز فأول ما نحس به هو الرائحة الفعلية الذكية للخبز والتي تبدأ مع الصباحات الطازجة لقريتي حيث القرويات الفقيرات يبدأن يومهن بالخبز ليستيقظ الازواج المطحونين على رائحته الشهية ويتزودو منه ليومهم الشاق الطويل

عرق العامل ورائحة الخبز قهوة الصباح اليومية للمطحونين بهموم العمل وهموم الوطن التي لا يمكن فصلها ابداحتى لو كان هذا المطلوب تغييب العامل المطحون عن قضاياه المصيرية وهو يناضل لتوفير لقمة الخبز المطحونة والمعجونة بكرامته التي يأبى ان يضيع ماؤها في اتون الحياة المحرقة..........


amine0012003 من المغرب
14 يونيو, 2007 12:23 م
الثورة في صدر أواب أحسها لم تنفجر بعد كليا هي فقط في بدايتها...هي في اعماقه مسورة بالاحباط والمرارة...ثورة يحملها الملايين مثل أواب ولايستطيعون البوح او حتى الاعتراف بوجودها في دواخلهم...رائحة خبز ممزوج بالعرق ورؤية تحليلية تعطي نكهة اخرى لخبز الاستاذ أواب ...تحياتي لك


aouab1 من المغرب
14 يونيو, 2007 01:47 م
رغم أني لم أمسح بعد دموعي المنهمرة من أجل حقي في النجمة واللقمة ، وحقي كذلك في الوطن الذي أحبه أكثر من كل الناس.....
حضرت لأكمل شهقاتي الأخيرة ها هنا على الورق..
في ضيافة القلب الكبير: خالد الصاوي
لا أنكر عليكم يا أعزائي ،أن (رائحة الخبز) أبكتني مرات ومرات ولازالت تبكيني لحد الآن..
أول مرة أبكتني و أنا أعيش بعضا من صهد أحداثها بين العمال
ثانيها عندما رميت المطرقة وكتبت بضربات رأسي على طبلة السندان
ثالثها بكاء الفرحة ، فرحة وصول صوتي إلى أمثالي الشرفاء عبر أقطار المعمور وذلك بفضل المجهودات الجبارة و المضنية التي قام بها الرجل المصري العربي العظيم الأستاذ الناقد خالد الصاوي صاحب المباديء النبيلة حبيب المسحوقين
أشكره جزيل الشكر وأهديه : رائحة خبزي وبكائي الثالث..
وقبل أن أختم كلمتي لا يفوتني أن أوزع خبزي كسرة كسرة على كل الشرفاء المسحوقين..
لأن لهم الحق فيه
و لأني مجرّد خباز!
ـ مودتي لكل الأحباب


elnomany من مصر
14 يونيو, 2007 06:42 م
اشم رائحة الخبز الممزوج بعرق العم اواب
والممزوج برائحة فكر خالد الصاوي
دمتم سادتي


kher1 من مصر
15 يونيو, 2007 02:32 ص
الاخت الفضلى منى اولا تعليقك هنا اسعدني كثيرا ولكن لي عندك تحفظ العمال قطاع عريض ومؤثر في المجتمع وهو مشارك في كل الحركات النضالية ولم تتراجع الحركة العمالية الا في العقدين الاخريين وذلك بسبب الضربات الامنية للعمال وتحجيم دورهم السياسي


kher1 من مصر
15 يونيو, 2007 02:35 ص
معك حق ياستاذ امين فعلا مازال للخبز بركان داخل نفس العم اواب


kher1 من مصر
15 يونيو, 2007 02:36 ص
اسمح لي ان اقدم الاعتذار يا عم اواب اشعر ان العمل لم يأخذ حقه من النقد


kher1 من مصر
15 يونيو, 2007 02:38 ص
شكرا يا نعماني انت القارئ الذي ينبغي ان يكون


alalawi2006a من البحرين
15 يونيو, 2007 11:10 م
عزيزي..
ذو النقد البناء والرؤية المتميزة..الاستاذ خالد

تحليك سلس ويتميز بالاقناع

قراءة نصية "واقعية" اذا صح التعبير
ونثرت ملامح عالم الكاتب بطريقة لا تجعلنا نخالفك فيها بتاتا
وبالفعل أنا أيضا "تشممت الخبز فعلا ولكنني لم أتنسم رائحته"
بعدها ابحرتنا بلمحات أواب السردية
وروعة التفاصيل الجزئية والتي أوافقك بضروريتها والا لم نكن جزء من شخصيات رائحة الخبز

رؤيتك النقدية ابداع بذاتها
لك كل الدعاء بالتوفيق ودوام الصحة والعافية

وجزيل الشكر أيضا الى
المنشورة جروحه ومن أبكانا..الاستاذ أواب

حسن


kher1 من مصر
16 يونيو, 2007 11:43 ص
الصديق المبدع حسن لأنك مبدع اقدر قيمته اإبداعية قد قرأت التحليل جيدا وانت الاخر ابداعك افتش فيه ضمن عدد من الاعمال التي اعجبتني دون مجاملات في المدونات
ولكن اعذروني في التأخير لأنني مشغول هذه الفترة ولكن احب ان انظر للأعمال في جو هادئ لانني اعيش اعمالكم من داخلي
لك ولنا لقاء قريب جدا


wenda من مصر
17 يونيو, 2007 01:56 ص
الآن قسم جديد في فهرس المدونات
لافضل موضوعات الجيرانين
الآن الاسبوع الاول
في مدونة المدونين 2
اضغط على اللينك
http://wenda.jeeran.com/wenda4
******
اذا كان لديك موضوع جيد
اترك تعليق بلينك الموضوع
وهذه الموضوعات متصلة بفهرس المدونات
واللينك الخاص به
http://wenda.jeeran.com/wenda2/archive/2007/5/222015.html


doctorbob1 من الأردن
17 يونيو, 2007 03:44 ص
جئت لأطبع قبلة على جبين صديقي اواب

ولأقول له كم انا مشتاق اليك.

كل الحب والاحترام والتقدير


kher1 من مصر
17 يونيو, 2007 12:39 م
ويندا شكرا على هذه المجهودات العظيمة التي تفيدون بها عالم التدوين


kher1 من مصر
17 يونيو, 2007 12:41 م
الصديق بوب سأزف بشرى هذه القبلة للعم اواب لانه لا يأتي هنا الا قليلا وسوف اقول له مبروك يا عم نلت القبلة من بوب يا اواب يا بختك واطلع انا منها ههههههههههههههه


kindaaa من المغرب
18 يونيو, 2007 05:22 م
kher1
/
/
رؤيــة نقدية بـ رائحة الخبــز..!
العم أواب هو نموذج مصغر لـ تلك الطبقة الكادحة التي تعاني الأمرين في بلادنا العربية لـ الأسف الشديد..
صراع بين أصحاب رؤوس المال ممن اعتلوا قمة الهرم والفئة العاملة المغلوب على أمرها دائما..!
أخي الكريم :
رائع جدا أن نحضى بـ اجتماع كاتب بـ حجم العم أواب وناقد بـ حجم أستاذنا خالد الصاوي ..
استمتعت جداً بـ القراءة هنا
وفي انتظار جديدك
تحيتي وتقديري / كِنــدا


kher1 من مصر
19 يونيو, 2007 01:37 ص
الأستاذة كندا أولا انا من عشاق ابداعك ثانيا انا تشرفت اليوم بوجودك هنا اما بخصوص رائحة الخبز فهو عمل ابداعي تأريخي في آن واحد وتسجيلي أيضا فهو يسجل لنا هذا العنت والشقاء التي تناله الطبقة العاملة في حياتنا كشريك اوحد مع الفلاحين في الانتاج والاقتصاد الفعلي بعيدا عن السمسرة وتجار العرق فهم الطبقة التي نأكل من وراءها جميعا ومع ذلك لاتحصل على حقها لا المالي ولا الادبي



أضافها عبد العالي أواب, في 06:51 م, أرسلها , (2) تعليقات

أضف تعليقا


badd من مصر
25 يونيو, 2007 01:39 ص
سأكون اول المعلقين يا عم اواب ثم اقول لك ان هذه الرواية تعبر عن حياة العمال بشكل عميق هؤلاء العمال هم الحياة هم العرق هم المقهورين لصالح رأس المال هم الثائرين دائما على الظلم هم الذين كانوا وقود الثورات حتى الثورة الصناعية في اوربا لهم الف تحية وتقدير ولك كل الود دمت رفيقا محترما دائما
تلميذك خالد الصاوي dhifaf من المغرب
26 يونيو, 2007 12:17 ص
أكون سعيدا بقراءة الرؤية النقدية ليوميات رائحة الخبز للأستاذ خالد الصاوي مرة أخرى و أجد نفسي محتاج الى ذلك باستمرار لما يمتلكه الأستاذ خالد من قدرة على فك رمز الحروف داتمت الأعمال الجادة ودمتم بألف خير
//......................ضفاف

أضف تعليقا

أضافها aouab1 @ 02:27 ص
خبّر عن هذا المقال:

(5) تعليقات
--------------------------------------------------------------------------------


أضف تعليقا


اضيف في 08 اغسطس, 2007 02:39 م , من قبل melysa
عبدالعالي أواب

لقد اجتذبني رائحه الخبز

فشهقت وتقطعت انفاسي فلم يتثنى لي غير

البكاء بصوت مكتوم.

مدونه رائعه جدا فأحب ان اكون ممن

يقتفي اثر مدوناتك.



--------------------------------------------------------------------------------
اضيف في 15 سبتمبر, 2007 09:19 م , من قبل doctorbob1
من الأردن
صديقي الغالي اواب

لقد سعدت كثيرا بدراسة صديقي الاستاذ خالد الصاوي لأعمالك الادبيه

وسعدت اكثر بنشرك لها هنا

انت مبدع وتستحق كل تقدير

كل عام وانت بالف خير صديقي الغالي


--------------------------------------------------------------------------------
اضيف في 15 سبتمبر, 2007 09:19 م , من قبل doctorbob1
من الأردن
صديقي الغالي اواب

لقد سعدت كثيرا بدراسة صديقي الاستاذ خالد الصاوي لأعمالك الادبيه

وسعدت اكثر بنشرك لها هنا

انت مبدع وتستحق كل تقدير

كل عام وانت بالف خير صديقي الغالي


--------------------------------------------------------------------------------
اضيف في 15 سبتمبر, 2007 09:20 م , من قبل doctorbob1
من الأردن
صديقي الغالي اواب

لقد سعدت كثيرا بدراسة صديقي الاستاذ خالد الصاوي لأعمالك الادبيه

وسعدت اكثر بنشرك لها هنا

انت مبدع وتستحق كل تقدير

كل عام وانت بالف خير صديقي الغالي


--------------------------------------------------------------------------------
اضيف في 15 سبتمبر, 2007 09:20 م , من قبل doctorbob1
من الأردن
صديقي الغالي اواب

لقد سعدت كثيرا بدراسة صديقي الاستاذ خالد الصاوي لأعمالك الادبيه

وسعدت اكثر بنشرك لها هنا

انت مبدع وتستحق كل تقدير

كل عام وانت بالف خير صديقي الغالي


--------------------------------------------------------------------------------

هناك تعليق واحد: